تلميذ مثاليّ                                                

                     (كتبها المؤلّف لتلاميذه في الصفّ الخامس الابتدائيّ)

   يستيقظ على صوت جرس المنبّه الساعة السادسة في الصباح. فيسرع إلى غسل يديه ووجهه وترتيب شعره ولبس ثيابه النظيفة المكويّة، ثمّ يجلس أمام مكتبه، يحفظ الدروس التي تحتاج إلى الذاكرة، ويراجع تلك التي درسها في العشيّة حتّى ترسخ في ذهنه.

   وعند الساعة السابعة والنصف يتناول فطوره، ويودّع أبويه وأهل بيته وينصرف. وفي الطريق لا يركض ولا يبطىء في السير، ويحيّي من يلتقي به من أصحابه ورفاقه بكلّ أدب. وفي دار المدرسة يتحدّث مع زملائه، تلاميذ الصف، عن أمورٍ شتّى بألفاظ مهذّبة لا ينبو عنها السمع، ولا تشمئزّ منها الأذن، حتّى يستميلهم ويستهدي قلوبهم فيصبحوا أصحابًا له ودودين. وإذا ما قرع الجرس الساعة الثامنة تراه يلج إلى الصف دون إبطاء، فيجلس مكانه بكلّ هدوءٍ ويخرج كتبه ويضعها على طاولته منتظرًا إشارات المعلّم، وعندما يبدأ الدرس لا تنشغل عيناه إلّا بالشارح أو القارىء، ولا أذناه سوى بالإصغاء التّامّ، ولا يفوه بكلمةٍ واحدة دون أن يُسأل عنها، ولا يلتفت إلى رفاقه ليتحدّث بشيء يخرج عن موضوع الدرس. وإذا طلب منه معلّمه الكلام أو الجواب على سؤال، فيجاوب بكلّ وضوح وصراحة دون خجل أو تلجلج، وبصوت لا هو بالعالي ولا هو بالوشوشة، وقسمات وجهه وحركاته تشير إلى التهذيب والاحترام والإباء. وإذا حدث أنّه لم يعرف الإجابة على سؤال فيقول: "لا أعرف يا سيّدي". ويعتذر من جهله بلا خوفٍ أو وجل.

   وفي أثناء الفرص، يلعب مع رفاقه غير مبالٍ بكتاب أو دفتر أو درس، دون أن يدفع أحدًا أو يشتم رفيقًا أو يضرب تلميذًا أساء إليه، ويتجنّب كلّ ما يخدش شعور الآخرين.

   وإذا ما انتهى النهار المدرسيّ، يتنزّه مع رفيق له أو أكثر في إحدى الجنائن أو المنتزهات، ترويحًا للنفس من عناء التعب. وعند الساعة الخامسة يدخل البيت، يضع كُلًّا من كتبه ودفاتره في محلّه الخاصّ، ويأخذ في عمل الفروض أو تعلّم المحفوظات حتّى السابعة والنصف، فإذا ما انتهى، غسل يديه وقام إلى تناول العشاء. وبعد الانتهاء يستريح نصف ساعة ثمّ يعود بعدها إلى إكمال واجباته المدرسيّة؛ وحوالى العاشرة يخلع ثيابه ويغسل يديه مرّة أخرى وينظّف أسنانه ويودّع والديه وإخوته ويأوي إلى سريره مطمئنًّا راضيًا.  

                                        يوسف س. نويهض